@القدس العربي Mosab Abusaif
الجزائر- “القدس العربي”: قضت محكمة سيدي امحمد في العاصمة الجزائرية بالسجن 5 سنوات منها 3 نافذة بحق الصحافي إحسان القاضي، وغرامة مالية قدرها مليون دينار أي ما يعادل 7000 دولار، ما يعد أثقل حكم يصدر في تاريخ الصحافة الجزائرية ضد صحافي بعد فتح مجال التعددية الإعلامية في البلاد بداية سنوات التسعينات.
وجاء الحكم الذي أعلنته قاضية المحكمة الأحد مطابقا للالتماس الذي تقدمت به النيابة، والتي طلبت خلال المحاكمة التي جرت الأسبوع الماضي تسليط عقوبة 5 سنوات سجنا نافذا مع الحرمان من الوظائف العمومية لمدة 5 سنوات، في حق الصحافي الذي يوجد رهن الحبس المؤقت منذ نحو 4 أشهر.
وبهذه الإدانة يكون إحسان القاضي قد نال وفق متابعين أثقل حكم في تاريخ الصحافة الجزائرية بعد التعددية الإعلامية، وهو مؤشر رآه بعض المعلقين والمتعاطفين مع قضيته مقلقا. وفي سنة 2020 كان خالد درارني قد حكم عليه بـ3 سنوات سجنا نافذا من قبل نفس المحكمة وتوالت محاكمات عدة صحافيين، لكن العقوبات لم تكن في الغالب أكثر من سنة سجنا نافذا.
وتوبع القاضي بتهمة التمويل الأجنبي وفقا للمادة 95 مكرر من قانون العقوبات التي تعاقب “بالسجن من خمس إلى سبع سنوات وغرامة من 50 ألف دينار إلى 70 ألف دينار جزائري، كل من يحصل على أموال أو هدايا أو امتيازات للقيام بأعمال من المحتمل أن تضر بأمن الدولة”، بينما أسقط قاضي التحقيق، وفق محاميه، التهم المرتبطة بالمادتين 96 و79 المتعلقتين المساس بالنظام العام والمصلحة الوطنية.
وكان المحامون قد رفضوا المرافعة خلال المحاكمة احتجاجا على ما اعتبروه غياب شروط المحاكمة العادلة. أما إحسان القاضي فرفض بالمثل الإجابة على أسئلة القاصية المتعلقة بالملف لأنه يعتقد أن محاكمته سياسية. وأراد القاضي الرد على تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الذي وصفه دون أن يذكره بالاسم بـ”الخبرجي”، لكن القاضية منعته من الخوض في ذلك بحجة أن هذا الأمر خارج الموضوع.
وسبق المحاكمة توتر شديد خلفته تصريحات تبون لوسائل إعلام محلية والتي تحدث فيها عن قضية إحسان القاضي بالتلميح، قائلا: “هناك خبرجي أغلقوا مؤسسته التي كانت تعمل خارج القانون فقام محامون في الخارج للدفاع عنه”، وهو ما اعتبره المحامون طعنا في قرينة البراءة وتوجيها للقضاء الذي كان يستعد لمحاكمة القاضي.
وفي تفاصيل قضية التمويل الأجنبي المتابع بها، قال دفاع القاضي إن الأمر يتعلق بـ”مبلغ 25 ألف جنيه استرليني، تلقاه الصحافي من نجلته المقيمة في لندن تينهينان القاضي التي تُعدّ أحد المساهمين في مؤسسة إنترفاس ميديا”.
وأوضح المحامون أنّ “مؤسسة إنترفاس ميديا ناشرة موقعي راديو أم ومغرب إمرجنت، كانت تعاني من ديون ضرائب ما بين سنة 2019 إلى سنة 2022 تقدر بـ9 ملايين سنتيم (500 ألف دولار)، الأمر الذي خلّف غلق ثلاث حسابات بنكية خاصة بالمؤسسة”، ما دفع حسبهم تينهينان قاضي لترسل من مالها الخاص ما قيمته 25 ألف جنيه استرليني على دفعات لوالدها من أجل صب رواتب الصحافيين، باعتبارها من الشركاء في المؤسسة.
وخارج ذلك، لا توجد وفق المحامين، أي وثيقة تبيّن تلقي إحسان القاضي أو مؤسسته أموالا من قبل هيئات أجنبية أو شخص أجنبي، إلا إذا كانت ابنة إحسان القاضي أجنبية في نظر القضاء وهو أمر غير معقول حسبهم، علما أن ابنته وهي حاملة شهادة دكتوراه ومقيمة في بريطانيا، قدمت لقاضي التحقيق الذي سمعها كشاهدة، كل الوثائق التي تدل على مصادرها المالية.
في مقابل ذلك، يرى المحامون أن الأسباب الحقيقية لسجن القاضي تعود لمقال رأي كتبه وتغريدة تويتر نشرها”. وأكد المحامي عبد الله هبول أن سجن موكله جاء على خلفية “المقال الأخير له والذي خاض فيه في مشروع العهدة الثانية للرئيس عبد المجيد تبون وموقف المؤسسة العسكرية من ذلك. أما التغريدة، فكانت تعليقا على تصريح الرئيس عبد المجيد تبون استرجاع 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة في الفترة السابقة، حيث شكك الصحافي في صحة هذا الرقم”.
أما النيابة فترى أن القاضي لا يتابع أصلا بجنح الصحافة التي يحمي فيها الدستور الجزائري الصحافي من عقوبة السجن. وتؤكد أن التهم متعلقة بالنظام العام، فقد كان القاضي حسبها يتلقى أموالا ومزايا من هيئات وأشخاص داخل الوطن وخارجه قصد القيام بأفعال من شأنها المساس بأمن الدولة وعرض منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية”.
واعتبرت في بيان لها أن القاضي كان يستغل مقر شركة “إنترفاس ميديا” لتسيير الموقع الالكتروني غير المرخص “راديو أم”، الذي يقوم من خلاله بعرض للجمهور منشورات ونشرات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية وذلك عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي”. وحظي إحسان القاضي منذ سجنه في نهاية كانون الأول/ ديسمبر، بدعم عدد واسع من الصحافيين داخل وخارج الجزائر ومنظمات حقوقية ومدافعة عن حرية الصحافة. ونظمت مراسلون بلا حدود آخر وقفة تضامنية معه قبل يومين من إدانته أمام مقر السفارة الجزائرية بباريس حيث استعرضت 13 ألف توقيع مساند لعريضة “الحرية لإحسان القاضي”، وطالبت السلطات الجزائرية بإطلاق سراحه فورا. وعرف القاضي الذي ينشط في الميدان منذ فترة الثمانينات بانخراطه في حركة الصحافيين الجزائريين القوية في ذلك الوقت كما أنه حائز على جائزة “عمر أورتيلان” لحرية الصحافة في الجزائر، ويتميز بنظرته النقدية القوية لواقع الحريات الديمقراطية في الجزائر، كما تشرف مؤسسته على منح جائزة للصحافة الاستقصائية “علي بودوخة” كل سنة.